الخميس، 19 مايو 2016

سلطة الأنداد: ماذا يفعل المشاهير؟



- نُشر على صحيفة إيوان24 بتاريخ الثلاثاء 17 مايو 2016.

لم تعد الشهرة قاسمًا مشتركًا بين الأثرياء والفنانين وأصحاب النفوذ والأعيان فقط، بل أصبحت متاحةً للجميع في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، كما لم يعد الرهان على «الجودة» كقيمة أساسية لما يطرحه هؤلاء المشاهير الجدد، بل الشكل «التوفيقي» من المتعة، وكل ما يلزمك القيام به للوصول إلى هذه الشهرة هو الالتحاق بأحد التطبيقات الموجودة، وإحداث ضجة!

«سناپ شات» يعتبر محور رئيس اليوم في أي حديث يتعلق بمشاهير تطبيقات التواصل بعد «انستچرام» و«كييك»، حيث يوجد هناك الملايين من البشر يتابعون يوميات المئات من المشاهير لحظة بلحظة، ويكوِّنون انطباعات ويتلقون المفاهيم ويستحدثون أفكارًا من خلالهم، الأمر أشبه بنادٍ كبير لمجالسة المشاهير عابر لحدود المكان والزمان.

على الرغم من أن انفتاح وسائل التواصل على الناس وعبورها المجتمعات أمر إيجابي ويدفع بحركة الشعوب والثقافات؛ كونه يمنح الجميع فرصة مساواة أكبر لاستثمار التمثيل في هذا المجال، وعلى الرغم من تسليمنا المطلق بضرورة التعامل مع هذا الواقع الجديد بعقلية أكثر مرونة واستبشار، إلَّا أن هذه الهيئة الحديثة من سيطرة المشاهير على حياة الناس تحتاج منا أن نذهب بعيدًا في تحليل هذه الظاهرة والكشف عن كيفية عملها.

في قائمتي على «سناپ شات» حوالي ٢٥ شخصية مشهورة قدَّمت نفسها عبر التطبيق، وخلقت حولها جماهيرية كبيرة وأثَّرت ولا زالت في شرائح واسعة من المجتمع، ولا شك بأن بعضها يقوم بدور استثنائي في التوعية ومحاربة مظاهر العنصرية والطائفية والجهل؛ إلا أن جميعهم يتزوَّدون من خزان واحد يلتقون عنده، لا يمكنهم مواصلة تقديم أنفسهم إلى الجمهور بدونه، خزان «الثقة».

هذه الثقة هي البوابة الكبيرة في أول البهو المؤدي إلى النجومية، القبول العفوي لانضمامك كلاعب في الساحة الكبيرة. لنبسّط الأمر ونتخيَّل أن ثمّة مجال دائري، يحيط به جماهير من المشجعين، حيث قررت مجموعة منهم تقديم أحدهم استحسنوه ووثقوا به إلى هذا المجال ممثلاً عنهم؛ إما بسبب نباهته وخفّة دمه، أو لنجاحه في مجال المال والأعمال، أو مهتم بالفنون، أو لأنه ناشط سياسي أو متطوع في المجالات الإنسانية، وغيرها من قنوات العبور إلى الثقة المنشودة.

من هنا تبدأ الشهرة، أو ما يمكن أن نصفه بـ «السلطة المعنوية» على الجمهور، من خلال المادة المقدمة أيًا كان شكلها. وفي الخليج، والسعودية بشكل استثنائي، حيث تتشكَّل مجتمعات سحابية بشكل لافت، يستحوذ هؤلاء المشاهير على كامل الاهتمام والمتابعة، مما يعني أن تشكُّل هوية هذه المجتمعات المعرفية مرتبط بشكل واضح بالمفاهيم التي يتلقّونها من خلال هؤلاء النشطاء على التطبيقات.

لستُ أتفق مع من يسخِّف ما يحدث في «سناپ شات»؛ من أنه لا يمكن أن يكون منصّة لنشر المعلومات واعتناق الرؤى والأفكار، بل أني أعتقد أن التطبيق يقوم بعملية «تكثيف» لهذه الأفكار بنقيضيها، وتجسيدها على أرض الواقع عبر المتحدِّث، وبالطبع نحنُ هنا لا نتحدَّث عن المحتوى كمستند على مرجعية علمية، كما لا نستطيع التورّط في مناقشة المعايير ووجودها من عدمه، إلا أنه ببساطته استطاع أن يكون منصّة مذهلة لبث الأفكار والمشاعر ومناقشتها والتأثير على الناس.

إذا ما اتفقنا على ما سبق، سندرك مباشرة أنه لا يمكن لهذا الفضاء الجماهيري، الذي تكثر فيه السلطات المعنوية، أن يكون بريئًا من التهم، كما أن التهمة الأصلية التي تلاحقه على الدوام كونه مكنة لتصدير الرَّقاعة والسفاهة والسخف، وهذه التهمة صحيحة في وجه وتنقصها الدّقة في وجه آخر.

تبدو سهولة التعامل مع منصات التواصل الحديثة عاملاً جاذبًا بشكل مستمر، وإذا ما سلَّمنا أن بإمكان أي أحد نشر أي شيء، فبالضرورة ليس كل شيء سيعجبنا، وهنا سنطالع مشاهد بالغة السوء كما ستتجلى لنا النزعات العنصرية والطائفية، والتحريض والتحريض المضاد، ولا يتوقف الأمر عند هذا فحسب بل قد تلقى رواجًا وشعبية، وهنا محلّ الذهول والإحباط، وهذا يدفعنا لسؤال: هل المشكلة حقًا في هذا الطرح الساذج الذي يتم تقديمه عبر هذه المنصّات، أم أن لدينا مشكلة علينا حلها وأن هذا الطرح هو موجود فعلاً في الواقع، وما قام به هذا المحتوى هو فقط تجليته والكشف عنه؟!

وبعد أن استطاع مشاهير تطبيقات التواصل الاجتماعي الارتباط المباشر بحياة الناس والإغراء الموجود في تحريك جماعات بشرية إلى فعاليات على الأرض والتأثير على توجهاتهم وانطباعاتهم، لم يعد بإمكان هؤلاء المشاهير التراجع عن هذه المواقع، مهما كان الثمن، فتورّطوا هم أيضًا في سلطة مضادة سلخت شخصياتهم، سلطة الجماهير، وهي سلطة لجماعة متخيَّلة ترتبط في أذهانهم بمزيج مشبوه من القيم المثالية التي قد لا تتحصّل في الواقع، لكنهم يلتزمون بهذا المخيال المصطنع ولو على حساب المصداقية والضمير لأنه الضمانة لهم للبقاء.

وصار من المفهوم أن ترى مهووسة بالموضة والأزياء «فاشينيستا» تغازل العاطفة الدينية لدى الجمهور مثلاً بأن تقول أنها ستتحول إلى «داعية» قريبًا، وتجد من يصفق لها، أو مطربة خليجية تشتم المطالبات بحقهن بقيادة السيارة في السعودية، إلى جانب حديثها المفتعل عن الحشمة والستر ورغبتها في أن يقوم رجل دين شهير «بالدعاء لها». هذا إلى جانب الكليشيهات الوطنية الفارغة التي يرددها بعض هؤلاء المشاهير دون ضرورة تحقق التزامهم الوجداني تجاهها، المهم هو حصد أرقام متابعة أكبر في عالم لا يتكلم إلا بلغة الأرقام والأضواء والربح.

الواقع أن هذه الفضاءات الجديدة خلقت لنا فرصة لتبادل الخبرات والأفكار والتعرّف على بعضنا بشكل أفضل، لكن هذه التقنيات على ما فيها من إبداع، إلا أنها تستحق منا أن نكون على نفس الدرجة من الاهتمام وملاحظتها واستنطاقها وإعمال العقلية النقدية أثناء مراجعتها، سواء على مستوى أسلوب عملها من حيث هي، أو على مستوى الانسحابات الناتجة عنها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق