الاثنين، 15 يوليو 2013

مآذننا أبواق الكراهية




صليتُ في مسجد الحي مرَّة صلاة التراويح، حتَّى حضر الوتر، فأوترت معهم. رفع الإمام من الركعة الأخيرة وشَرَعَ في الدعاء. بدأ يدعو الأدعية المعروفة التَّقليدية حتى وصل إلى الدعاء لمصر وسوريا. أمَّنت على حذر، فأنا أتحسَّس جدًا من أن يستغفلني مثل هؤلاء بدعوةٍ أستحي أن أرفعها إلى الله. حتَّى قال: (اللهمَّ عليك بالرافضة في الشام...). حينها أرسلت يدي إلى الأسفل، وندمتُ ندمًا شديدًا وخجلت من نفسي على أن وقفت خلف هذا الإمام "بوق الكراهية". وتحسَّفت أني لم ألتزم بسُنَّتي في رمضان الماضي عندما كنت أرفض صلاة الوتر خلف هؤلاء الأئمَّة، لأصلِّيها لوحدي.

يتساءل بعضكم الآن.. لماذا تتحفَّظ على دعوات مثل هذه؟ أليس فعلاً (الرافضة) هم من يذبح (إخواننا في الشَّام)؟ أليس هم من يتآمر ضد (الأمَّة)؟ ألا ترى مجازر (حزب اللَّات) اليومية؟ أليس (اليهود والنصارى) أعداءٌ حقيقيون للأمَّة؟ ألا ترى فلسطين والعراق وأفغانستان؟

حافظ على ضغط دمك، ولنبدأها واحدة واحدة..

هل ترضى بأن يُطلق عليك الشيعة لقب (النَّاصبي)؟ أي ناصب العداوة لآل بيت رسول الله.. هل تقبل؟ لا؟ إذًا فهم لا يقبلون لقب (رافضي) أيضًا. هل أنت فعلاً تنصب العداء لآل بيت رسول الله بصفة مباشرة أو غير مباشرة؟ لا؟ حتَّى هم ليس كلهم يرفض خلافة أبو بكر وعمر ويطعن فيهم. ودونك محرِّكات البحث. ألا يوجد من خلف دعوات الكراهية العمومية هذه (حاشا لله أن يستجيب لها) أبرياء؟ ألا يوجد من الشِّيعة من هو ضد ممارسات إيران وحزب الله والقيادات الشِّيعية عمومًا؟ نعم؟ إذًا فلماذا تدعو على (كلِّ) الشيعة؟ وهل تقبل أن تعجَّ مآذن الشِّيعة بالدعاء عليك بحجَّة أنك "تقف إلى جانب حكومة البحرين ضدَّ الثوار الشيعة" مثلاً؟ لماذا لا تدعو "للشَّعب والثورة السّورية" وتدعو على "أعداء الشَّعب والثورة السّورية" أيًا كانوا بعيدًا عن كلِّ هذه التفصيلات الطائفية القذرة؟ هل أعداء "الشَّعب والثورة السّورية" فقط النَّفس العام الشِّيعي أم هناك أعداءٌ لها من مشارب ومذاهب ونحل أخرى؟

ثم لماذا تقف مع دعوات الكراهية من قبيل (اللهمَّ عليك باليهود والنصارى)؟ وهل (كلّ) نصراني ويهودي في هذا العالم يدبِّر لك الشَّر؟ أتكلَّم عن (يهودي) وليس (صهيوني). فاليهودية دين، والصهيونية حركة سياسية متطرِّفة، وهي التي تحتل فلسطين اليوم. أعود، بعقلك السَّوي الذي أجلُّه عن أن يكون ساذجًا إلى هذا الحد.. هل تعتقد أن المليارات غير المسلمة حول العالم تريد بك الشَّر؟ هل حرقَت فكرة (المؤامرة) عقلك إلى هذا الحد البشع وأعطبته؟ أرجو أن تكفيني عناء الشَّرح لأقول لك يا صديقي أن أرقى وأهذب وأطيب وأجمل شعوب هي الشّعوب - وأكرر - (الشّعوب) التي تدعو عليها أنت تحت عنوان (اليهود والنصارى) شعوب أمريكا وأوروبا وغيرها، والتي هي أقرب من شعوب عالمك العربي قيمًا وأخلاقًا وعلمًا وعملاً، والتي تؤمِّن أنت (وغيرك) بإيماءة باردة خلف ذلك الإمام جالب الشفقة بقولك: (آمين). هل تعلم أن فيها من يحبُّ لك الخير أكثر منك؟ ويدافع عن حرِّيتك في التعبير عن رأيك وإقامة شعائرك ربَّما أكثر منك؟ بل وفيها من يدفع مستقبله ووجاهته وحياته رخيصةً لك ومن أجلك فقط؟ النّماذج مُشْهرة ولا تحتاج للسَّرد، وستجدها عند أول عملية بحث عن "راتشل كوري" أو "رشيد نكاز" أو "نورمان فينكيلستاين" مثلاً. 

ثمَّ وأخيرًا بعد هذه الأسئلة، ألا تخجل يا صديقي من أن يكون في دعاء الكراهية الذي ردَّدته هذا شبهة ظلم؟ شبهة استغلال لك ولعاطفتك وحميَّتك الدِّينية؟ شبهة دروشة ذهبتَ ضحيَّتها أنت ومن أمَّك؟ ألا تعتقد أنه يجب عليك أن توقف ساعة الرَّمل الخاصَّة بك في تلك اللَّحظة بين دعوات الكراهية وبين (آمينـ)ـك، لتسأل نفسك الكثير من الأسئلة؟ ألم تسأل نفسك مرَّة أنك لم تأتِ للمسجد أصلاً إلا لتستزيد من طاقة روحية إيجابية سلامية تستعين بها على الحياة ورتابتها ومفاجآتها؟ ألم تسأل نفسك مرَّة أنك ربَّما تساهم (طواعيةً) في نشر الكراهية في هذا العالم؟ فأنت تؤمِّن عليهم وهم يؤمِّنون عليك! وأنت تعمِّق الأحقاد والكراهية في نفسك وفي محيطك وهم يعمِّقونها في أنفسهم ومحيطهم!

ألا يعتقد الجميع من الحمقى من الأديان والطوائف والنِّحل والملل أنَّهم بهذا هم جزءٌ من الشّرور في هذا العالم؟ ومتَّهمون بحبس نفس أحدهم في هذا العالم في لحظةٍ ومكانٍ ما نتيجة تصدير واستهلاك دعوات الكراهية هذه؟ ألا ترون أنَّكم تجرمون في حقِّ البشرية والإنسانيَّة، بل حتى تعاليم الأنبياء والرّوحيين والمصلحين الذين تدَّعون أنكم تعملون بتعاليمهم وتهتدون بهداهم؟ ألا ترى يا صديقي أنك جزء من المشكلة لا جزء من الحل؟

أرجوك.. عندما تسمع أدعية الكراهية هذه، وقبل أن تؤمِّن، اقطع دعائك، ووزرك عليَّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق