الجمعة، 22 مارس 2013

البوطي الذي عرّانا




أما قبل: فلعنة الله على السياسة. أما بعد: فلا أدري صدقًا كيف أبدأ ومن أين، ولا كيف أنتهي وإلى أين. دعنا إذا نسير حسب كارثة الزمن الذي يحمل في جعبته قدرًا لا يقل عنه كارثية.

طالعنا تلفزيون بشّار بخبر عن مقتل الشيخ البوطي في دمشق بحي المزرعة، ناسبًا الخبر إلى (الإرهابيين، المسلحين، المندسين، الخونة، عملاء الإمبرالية..). لك أن تتأمّل هذا الخبر مُجرّدا يتحدّث عن اغتيال أهم ورقة أخلاقية يختبئ خلفها النظام، هنا يجب أن نعرف أنه لم يعُد النظام بحاجة حقيقية للبوطي. فالبوطي أفتى وزمّر وطبّل منذ سنتين، وخدم النظام في مرحلةٍ ما. ربما أحس النظام ألا تأثير حقيقي للبوطي على الساحة الآن وقد أصبح النظام في مرحلة متقدمة، يُعادل تصفيته. أراد النظام أن يستخدم هذه الورقة - ورقة البوطي - فلم يجد فيها حيّزًا للكتابة، فأحرقها.

تحليل مبدأي عموما، فالبوطي اُغتيل في مكان مُحصّن من قبل النظام، وقطعًا البوطي عليه حراسة خاصة ومُركزة، حيث أنه يشكل أهمية كبيرة لدى النظام، فاغتياله ليس بالأمر السّهل، وإن كان الإنتحاري قد وصل إلى تلك المنطقة المُحصّنة، فلا أظنه سيبخس روحه حقها باغتياله للبوطي في حين أن هُناك شخصيات أكبر وأكثر تأثيرًا وأوغل في ارتكاب الجرائم وسفك الدم. هذا غير أن الڤيديو الذي أظهره النظام مُحير وفاضح وباعث على الأسئلة. فلا آثار حرق، لا على الأجساد ولا على جُدران المسجد وفُرُشه، وأكثر الإصابات الظاهرة في الڤيديو إصابات في الرأس مُباشرة، هذا كله يزيد من نسبة صحّة القول بأن النظام هو الفاعل.

هُنا الڤيديو:



بعد مقتل الشيخ البوطي مُزعج جدًا أن ترى العُنف اللفظي الذي دبّ في مواقع التواصل الإجتماعي، عُنف لفظي لا أخلاقي على الطرفين. فالطّرف الأول يصف البوطي بالشهيد ويترحّم عليه ويُرد عليه بأنه مع بشار ويدعمه وضد الثوار، هكذا بكل بساطة. والطّرف الآخر يصف البوطي بالشّبيح الذي ذهب إلى جهنّم الآن ويُرد عليه بأنه تكفيري مُتطرّف، هكذا بكل بساطة.

بغض النّظر عن الرّدود الآن، لدينا موقفان لا إنسانيان، موقف الترحّم وموقف اللعن والحكم بالمصير. فلو ترحّمت عليه، واستعرضت بعد ذلك صور القتل وسفك الدم والإجرام التي قام بها النظام بغطاء شرعي وأخلاقي من البوطي، وكنت صادقا مُتجرّدا، لأحسست بالألم، ولشعرت بالظلم في حق تلك الأسر والعوائل وأولئك الأطفال والعُجّز، وسيل الدماء الجارف. رغم أن النظام في الحقيقة لن ينتظر من البوطي فتوىً حتى يقوم بجُرمه. ولو لعنته وحكمت بمصيره، تعدّيت على الله وعلى عدالة السماء، فالرّجل ذهب وأنت وأنا لا نعلم عنه شيئًا سوى تلك التصريحات في ظل نظام من أكثر النُظُم القمعية والبوليسية في العالم، لا ندري عن الظروف والسياقات، ولا عن الحقائق، كل ما نملك تصريحاته المعيبة تلك، خصوصًا مع وجود تسريبات تتحدث عن نية البوطي للسفر والهرب إلى تركيا مع أهله الذين سبقوه قبلها بإسبوعين، ووجود فتوىً أيضًا منسوبة للبوطي لم يُجِزْ فيها جندي في الجيش أن يقتل أبرياء عزلاً!



شيخي الفاضل أنا جندي في الجيش السوري وقد اختلفنا مع بعض هنا في حال اذا امرنا الضابط المسؤول عنا بضرب المتظاهرين بالرصاص الحي هل نمتثل للأمر أم لا ؟ وللعلم فاننا ان لم نقم بضرب المتظاهرين سنقتل حتما ونريد جوابا شرعيا فكلنا نثق بعلمكم لنعرف كيف نتصرف نرجوا الجواب باقصى سرعة. وشكراً

أجاب عنه:  أ.د.محمد سعيد رمضان البوطي
نص الفقهاء على أن الملجَأَ إلى القتل بدون حق لا يجوز له الاستجابة لمن يلجئه إلى ذلك، ولو علم أنه سُيقتل إن لم يستجب له، ذلك لأن كلا الجريمتين في درجة الخطورة سواء، ومن ثم فلا يجوز للملجَأ إلى القتل تفضيل حياته على حياة برئ مثله.


عموما لا أدري مالفائدة من الموقفين في حين أن الرّجل الآن يُمثّل موقفًا سياسيًا وميدانيًا.. ولا أدري ما الفائدة أصلا من الهوس في اتخاذ موقف فاقع من كل قضية، إما موجب وإما سالب، إما أسود وإما أبيض، بدون تحليل وتفكّر، أجد هذا أمر قاصر وسطحي في ما حصل في مقتل الشيخ البوطي.

على المستوى الشخصي، فإني أجد الفعلة إن صدق أنها من عمل الثوّار، عملا إرهابيا، لا يجوز شرعا ولا أخلاقا، لسبب بسيط، أن البوطي وإن كان محرّضًا، فهو غير مقاتل، وأمره ليس قطعيًا، ومشكوك فيه، والحرب أساسًا مع النّظام، رأس كل طغيان وظلم لا مع شيخ هنا وبوق هناك. والأولى هنا أن يُرجى هذا إلى محاكم عادلة بعد الثورة. وعمومًا لا أجد عقوبة القتل للمحرّض عقوبة عادلة، خصوصًا مع ضعف التأثير ومحدوديته.

المؤلم فعلا هو القطعية في اتخاذ الغوغاء ردات فعل مُتشجنّة على الطرفين، وهذا نتيجة الخطاب الجاف والمتعصّب من رموز الطرفين. وفي نفس الوقت أتفهّم ذلك مع كثير من الألم، بعد أن أخل بشّار ونظامه القذر بكل الموازين والمفاهيم.

أخيرا: أجد أن الصمت هو أفضل موقف يُمكن أن يُتخذ في هذه الحالة، أنا مع عدم الترحّم عليه حفاظا على ضميري المتحرّق على فتاواه المجرمة في حق العُزّل والأبرياء، ومع عدم اللعن والحكم بالنار أيضًا لوجود موانع وإحتمالات ربما لم ندركها.

الشيخ البوطي ليس رمزًا بسيطًا، وليس مجرد مفتٍ لبشار مثلا أو نحوه، وما حدث له هو اختبار وامتحان للجميع. ومن ترحّم عليه من الرموز والعلماء هم يعرفون ما يقولونه، وأعتقد أنهم حزينون على ما آل إليه الأمر أكثر من كونهم حزينون على فراقه.

وعموما ما حصل له، هو عبره للمعتبرين، فلو قال كلمة الحق لقُتل، ولو ثبت على كلمته لقُتل أيضا، فليته قدَّر (هذا على الحمل على محمل إحسان الظّن). ولعنة الله على الإستبداد، ولعنة الله على كل الطغاة، الأحياء والميّتين. ولعنة الله على كل من تأكد أنه يسوّغ لهم جُرمهم ويُمضي على استبدادهم باسم الدين أو العروبة.

وآهه.. آهه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق