الثلاثاء، 28 يونيو 2016

أن تكون في مشروع غيرك!





- نُشر على صحيفة إيوان24 بتاريخ الثلاثاء 29 يونيو 2016.

كثير من المشروعات الفكرية والتيَّارية تحاول ضمّك إليها، أن تكون محسوبًا عليها، رقمًا فيها، أن تبذل لهم وقضاياهم وأن تقدم لهم أقصى ما تستطيع وأفضل ما عندك. هذا ليس خطأً، بل الخطيئة تكمن في الإيمان بالمشروع الذي يحترف التضليل والتضليل المتعمَّد، المشروع الذي يرتكز على إلهاب العاطفة والعمل من تحت الطاولة ووصف الأمور بغير وصوفاتها ومسمّياتها الحقيقية.

لا يحب كثيرون الانقياد، لا يحبون تلك المصطلحات التي تشعرهم بأنهم الأدنى، كما لا يحبون أن يشعروا بأنهم في أعمالٍ ينفذونها لغيرهم. إن الإيمان بالفكرة التي تعمل لها وتقدم فيها وقتك وجهدك وتركيزك، وربما على حساب أقرب الأقربين لك، خليلتك التي تحب وأبنائك، والديك والإخوة ومحيطك الاجتماعي من أصدقاء، إن ذلك الإيمان يلزمه مشوارٌ من الشك السابق، والبحث المستمر.

لقد أصبحت المجالس العامة ومواقع التواصل الاجتماعي هي ورش العمل الشعبية لتلك المشروعات، وصار الجدل المستمر فيها أشبه بالالتزام اليومي المفتوح. إن مثل هذه الورش المتعلقة بالأفكار والانحيازات ترتبط بحياة الناس، إنها تصنع شيئًا من ذواتهم، شكلٌ من أشكال الحق التالي على الوجود الإنساني، أمر متعلّق باحترام الذات، أن تنتصر للفكرة التي تريد وأن تعمل لأجلها.

ولكن في ظلّ هذا كله، يستغل آخرون هذه النزعة بشكلٍ سافر وأناني في معارك لا تخدم إلا حساباتهم الخاصة، إنهم يحشدون الناس حول الأكاذيب، ولغايات غير نبيلة، وحسابات تتعلّق بالحظوة والمنصب والمال وصعود النجم والتزلُّف لصانع القرار، إنها حالةٌ تذكرني بالحوار العميق في أحد حلقات المسلسل الذي يتابعه الجميع هذه الأيام «صراع العروش»، والذي دار بين أميري حرب، حين قال أحدهما للآخر: “هل سيقاتل رجالك لأجلك عندما يعرفون أنك لن تقاتل لأجلهم؟!”، ولكن الإجابة في حالتنا: نعم.

إنها ليست جبهة الرجل الواحد، بل مشروعات يتقدمها صفٌ طويل من النّخب والمحسوبين على الثقافة والقلم عند كلِّ فريق، وأحيانًا بعض المتنفّذين والوشاة، وأنت بين هذه المشروعات التي تتمدّد فوقك وأسفل منك وعن يمينك وشمالك، ووسط هذه الأعين التي ترمقك، تحاول أن تكون مستقلاً قدر الإمكان مدافعًا عن حقك في فهم الأمور بتجرّد وموضوعية أكثر، لكنهم -كما نرى- يغلبونك بالصوت العالي في كلّ مرةٍ يتحدثون.

لا يحقّ لأحد أن يدفعك ناحية آمال لم تؤمن بها، وأحلام لم ترها. لا يحقّ لأحد أن يغريك بالوقوف على عتبة هشّة في فضاء من الوهم. لا تكن ترسًا في مَكَنة، مَكَنة تلك الحكومة، أو صاحب المال، أو ذلك المثقّف. آمن بما تريد الإيمان به مرة، وآمن بنفسك مرتين، هذا ما أقوله لنفسي، وبعدها فلتكن في أي مشروع تريد، طالما أنك منحت نفسك فرصة القناعة به وتصوّر الأثمان التي ستدفعها من خلاله.


إنه جدال مفيد، ذلك الذي تقيمه بينك وبين نفسك في كلِّ مرة متسائلاً معها حيال حقيقة المساهمة التي تقوم بها، ولو كانت مساهمة صغيرة، في المربع الذي تقف فيه والانحياز الذي تختاره، ولو كان حضورًا قليلاً. حيث الاعتراف شجاعة والإنصاف عزيز والاستقلال اتساقٌ مع النّفس وتمرّدٌ على القيود، والإقرار بضرورة التقدم ناحية قضايا أكثر إلحاحًا وعدالة وخيريَّة غاية المعرفة والرّشد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق